منصور عثمان.. بين أنسنة غرفة التحرير وإبداع الممارسة الصحفية

ليس من السهل أن تُمسك بسيرة صحفي مثل منصور عثمان الزهراني، تمرّس المهنة على أصولها في أعرق الصحف السعودية «عكاظ» والبلاد والجزيرة؛ لأن حضوره يتجاوز التعريفات الجافة، ويتسلل إلى المسافة الأعمق بين الكلمة وقارئها.أبو فرح، صحفيٌّ بالمعنى المهني الصارم، وإنسانٌ بالمعنى الذي يجعل المهنة أكثر رحابة وأقل قسوة، وكاتبٌ أنيقٌ يعرف كيف يضع الجملة في مكانها دون ضجيج، ثم يتركها تعمل وحدها.في مسيرته الإعلامية، لم يكتب ليملأ فراغاً، ولا ليُكمل عدداً، بل ليصنع معنى.نصوصه لا تُقرأ على عجل؛ لأنها مصمَّمة لتُبطئ القارئ، لتسرق منه الوقت لا عنوةً بل إغواءً.يفتح باب الفكرة، ثم يغوص في أعماقها، كأنه يختبر صبر الأسئلة قبل أن يمنحها حق الإجابة.هكذا يصبح النص عنده مساحة تفكير مشتركة، لا منصة خطاب أحادي.شخصيته آسرة بلا افتعال؛ حضورٌ يُشيع الفرح حيثما حلّ، ويمنح المكان خفّة لا تُفسد الوقار.من عمل معه يدرك سريعاً، أن الألفة عنده ليست نقيض الاحتراف، وأن الاحترام لا يحتاج إلى مسافة باردة. يعرف كيف يصغي، وكيف يختلف، وكيف يحفظ للآخرين حقهم في الضوء، وهي خصال لا تُدرَّس بقدر ما تُكتسب بالوعي والتجربة.ويظل للبعد الشخصي مكانه الأصدق في هذه السيرة؛ فبالنسبة لي، كان أول من راهن عليّ دون تردّد، ومنحني رئاسة قسم وأنا ما زلت في بدايات شقّي لطريق «مهنة المتاعب». لم يكن ذلك قراراً إدارياً عابراً، بل ثقة مبكرة غيّرت مساراً كاملاً. كان اليد التي تتقدّم حين تعصف الرياح، والكتف الذي يسند الفكرة قبل صاحبها، والعقل الهادئ الذي يعرف متى يتركك تتعلّم من الخطأ، ومتى يتدخّل ليوقف العواصف العاتية قبل أن تُغرق السفينة. ذلك النوع من القادة الذين لا يصنعون أتباعاً، بل يصنعون زملاء قادرين على الوقوف بثبات، والكتابة بثقة، والمضيّ دون خوف.هو «أبو فرح»؛ لأن الفرح جزء من تعريفه، ولأن الكتابة عنده فعل حياة، لا واجب مهنة. رجلٌ إذا كتب أنصت القارئ، وإذا حضر اتّسع المكان. وفي زمن الاستهلاك السريع تبقى هذه القيمة نادرة.. وتستحق أن تُقال كما هي.