في لحظات التحوّلات الإقليمية، تتجلى قيمة الكلمة بوصفها جبهة وعي لا تقل تأثيراً عن الجبهات الأمنية، ولا سيما حين تتعلق الأحداث بأمن المملكة واستقرارها. واليوم، ومع متابعة الشارع الرقمي السعودي للمجريات السياسية في المنطقة، تبرز ضرورة قصوى لرص الصف وتوحيد الكلمة بين روّاد التواصل الاجتماعي، ليكون الصوت الوطني امتداداً لنهج الدولة القائم على الحكمة والاتزان، لا منبراً للفوضى أو الانقسام.لقد أثبتت المملكة العربية السعودية، عبر تاريخها الطويل، قدرتها على مواجهة عواصف أقوى من أي حملات إعلامية مغرضة أو هجمات متربصة، فقد واجهت مشاريع متطرفة، وحملات تشويه ممنهجة، وأزمات إقليمية معقدة، لكنها خرجت من كل منعطف أكثر ثباتاً، بحكمة قيادتها السياسية، وعمق إستراتيجيتها الدبلوماسية، وصلابة موقفها الذي لا تحكمه ردود الأفعال بل قراءة المشهد بعين بعيدة المدى، غير أن ما منح المملكة دوماً قوة مضاعفة، لم يكن فقط ثبات قرارها ومواقفها السياسية، بل التفاف شعبها وحصافته في فهم المتغيّرات وإدراكه لمواقف بلاده إزاءها في مشهد نادر يعبّر عن انسجام فريد بين الدولة والمجتمع، وعن وعي جمعي يدرك أن الاستقرار قيمة، وأن الاصطفاف خلف القرار الوطني حصانة، وأن الثقة بالقيادة ليست شعاراً بل ممارسة يومية تترجمها المواقف في أشد الظروف حساسية.وفي الفضاء الرقمي، حيث تتسارع الرسائل وتتعالى الضوضاء، يصبح التماسك ضرورة وطنية، فالتشتت في الخطاب، أو الانجرار وراء روايات متناقضة أو مفتعلة، يخلق ثغرات تستغلها الأصوات التي تسعى للنيل من الموقف السعودي، وتشويه صورته، وبث الشكوك في نوايا الدولة التي جعلت أمن المنطقة بأكملها جزءاً من أمنها، وسعت دوماً لتثبيت الحلول بالحوار والدبلوماسية، بعيداً عن المزايدات والاستعراضات الفارغة!إن روّاد التواصل في المملكة يحملون اليوم مسؤولية الكلمة الواعية التي تسند ولا تهدم، توحّد ولا تفرّق، وتستحضر دروس الماضي القريب حين اجتمعت القلوب قبل العقول على موقف واحد، فكان المجتمع الرقمي سنداً للدولة لا عبئاً عليها، فالوحدة الرقمية في مواقع التواصل لا تعني التطابق الحرفي، بل تعني احترام ثوابت الوطن، وتغليب المصلحة العليا، وصيانة الخطاب العام من التصدّع، مهما بلغت حدّة المحفّزات الخارجية.إن رص الصف ليس مطلباً عاطفياً، بل خيار إستراتيجي في زمن تتشابك فيه ساحات التأثير، وتتعاظم فيه قيمة الرواية الوطنية المتزنة، وحين يوحّد السعوديون كلمتهم، يثبتون أنهم شعب تجاوز المستحيل مع دولته، وسيظل صوته الجماعي أقوى من كل محاولات للتقويض، وأقدر على ترسيخ صورة المملكة بوصفها دولة فعل لا رد فعل، وحكمة.. لا تهور، وقيادة يلتف حولها شعب لا يعرف في لحظات الحسم إلا لغة واحدة هي لغة الوطن!