في لحظات التحوّل الكبرى، لا تُقاس التجارب بطول مدّتها وحده، بل بقدرتها على الاستمرار المؤثّر، وعلى التجدّد الهادئ دون أن تفقد معناها أو بوصلتها. ومن هذا المنظور، فإن إعادة انتخاب عبدالله صالح كامل رئيساً لاتحاد الغرف السعودية حتى عام 2029 لا يمكن قراءتها بوصفها حدثاً إدارياً أو استحقاقاً تنظيمياً فحسب، بل باعتبارها مؤشّراً عميقاً على طبيعة المرحلة، وعلى نوع القيادة التي يفضّلها الوسط الاقتصادي في زمن التحوّلات الكبرى.لسنا أمام تجربة تبحث عن الأضواء، ولا أمام اسم صعد بالخطابة أو الحضور الإعلامي، بل أمام مسار طويل تشكّل بالصبر، وتراكم بالعمل، وتقدّم بثقة هادئة. أكثر من ثلاثة عقود من الحضور في المشهد الاقتصادي السعودي لم تصنعها الصدفة، بل صنعتها قدرة نادرة على فهم الاقتصاد بوصفه منظومة علاقات، لا مجرّد أرقام، وعلى التعامل مع الغرف التجارية كمساحات توازن بين مصالح السوق، ومتطلّبات الدولة، وتطلّعات المجتمع.ما يميّز هذه التجربة ليس الاستمرار وحده، بل نوع الاستمرار. ففي مرحلة تتسارع فيها التغييرات، وتتبدّل فيها المفاهيم، وتُعاد فيها صياغة أدوار القطاع الخاص، ظلّ عبدالله صالح كامل حاضراً بعقل يقرأ التحوّل ولا يصطدم به، ويتفاعل مع الجديد دون أن يفرّط في الثوابت. وهذا ما يفسّر تجدّد الثقة به في مرحلة دقيقة من مسار الاقتصاد الوطني، مرحلة لا تحتمل الارتجال، ولا تُجامل التجارب السطحية.إنّ اتحاد الغرف السعودية، في ظل التحوّلات الاقتصادية التي تعيشها المملكة، لم يعد مجرّد مظلّة تنظيمية للتجّار ورجال الأعمال، بل أصبح لاعباً مؤسّسياً في دعم مسارات التنويع الاقتصادي، وتمكين القطاع الخاص، وفتح قنوات الحوار بين السوق وصنّاع القرار. وإدارة هذا الكيان تتطلّب فهماً عميقاً لطبيعة الاقتصاد السعودي الجديد، اقتصاد الفرص، والاستثمار، والشراكات العابرة للقطاعات. وهنا تحديداً تتجلّى قيمة التجربة، لا في الشعارات، بل في القدرة على المواءمة بين الرؤية والطبيعة الواقعية للسوق.ليس من المبالغة القول إنّ إعادة انتخاب عبدالله صالح كامل تمثّل تصويتاً على المنهج أكثر من كونها تصويتاً على الشخص. منهج يؤمن بالعمل التراكمي، وبناء الثقة، وإدارة الاختلاف، وتغليب الاستقرار المؤسسي على النزعات الفردية. وهو منهج أثبت جدواه في أوقات الرخاء كما في لحظات التحدّي، وفي مراحل البناء كما في محطات التحوّل.هناك بُعد آخر لا يقلّ أهمية، يتمثّل في أن هذه التجربة عرفت كيف تُصغي. فالقيادة الاقتصادية اليوم لا تقوم على الفرض، بل على الاستماع، وعلى قراءة متغيّرات السوق، واحتياجات روّاد الأعمال، وتحدّيات المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بوصفها العمود الفقري لأي اقتصاد حيّ. وهذا الوعي هو ما جعل الاتحاد، في فترات مفصلية، أقرب إلى هموم القطاع الخاص، وأكثر قدرة على تمثيله بواقعية ومسؤولية.في المحصّلة، نحن أمام تجربة لا ترفع صوتها، لكنها تترك أثرها. تجربة تفهم أن الاقتصاد ليس سباقاً فردياً، بل عمل جماعي طويل النفس، وأن القيادة الحقيقية هي التي تُهيّئ الأرض للنجاح، لا التي تحتكره. ولهذا، فإن الحديث عن عبدالله صالح كامل ليس احتفاء باسم، بل قراءة لمسار يقدّم درساً مهمّاً؛ أن الاستمرار حين يكون قائماً على الكفاءة والثقة والرؤية، يصبح في ذاته قيمة وطنية.عندما تكون الكتابة عن عبدالله صالح كامل، فإنها كتابة عن الهدوء الذي يصنع الأثر، وعن تجربة تعرف أن الزمن لا يكافئ الأكثر صخباً، بل الأكثر قدرة على الفهم والعمل والبقاء.