مرخية الدرب.. ذاكرة الطريق ومكان المراسلين للاستراحة

على طريق بو سمرة، وعلى مسافة قرابة 140 كلم ذهابا وإيابا من الدوحة، تقع منطقة «مرخية الدرب»، إحدى أقدم المناطق التي ارتبط اسمها بتاريخ الحركة والتنقل في دولة قطر، وشكلت خلال القرن الماضي محطة رئيسية للمسافرين وحملة الرسائل والمراسلين الذين كانوا يجوبون الصحراء على ظهور الإبل لإيصال الرسائل إلى المناطق المجاورة. وتعود تسمية المنطقة إلى كونها تقع على «الدرب» الذي كانت تسلكه القوافل، حيث كانت تضم آبار المياه العذبة والأشجار التي وفرت الظل والراحة للمسافرين، وجعلت منها نقطة التقاء واستراحة أساسية للتزود بالماء قبل مواصلة الرحلات الطويلة، وتعد الآبار الموجودة في المنطقة مصدرا رئيسيا للارتواء للآباء والأجداد الذين كانوا يمكثون فيها خلال تنقلاتهم. ورغم التحولات العمرانية المتسارعة التي شهدتها الدولة، لا تزال مرخية الدرب تحتفظ ببعض منازلها القديمة المبنية من الطين والحجارة، والتي قاومت الزمن وما زالت شاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ العمارة القطرية التقليدية، وتنتشر هذه البيوت في أحياء هادئة تعكس روح الماضي وبساطة الحياة القديمة، وسط بيئة صحراوية تحافظ على طابعها الطبيعي. وخلال جولة لـ «الشرق» في المنطقة، التقت عدداً من سكانها الذين أكدوا تمسكهم بالبقاء فيها رغم تواضع الخدمات مقارنة بالمناطق الحديثة التي تشهد تطورا عمرانيا واسعا، ويأتي ارتباط السكان بالمنطقة لكونه يمتد ليشمل الذكريات التي لا تزال خالدة في الأذهان. وقال سعيد حمد الأسود من سكان المنطقة: إن المغريات السكنية في المناطق الجديدة لم تكن سببا كافيا لترك مرخية الدرب، بل على العكس، زادتنا تمسكا بها لما تحمله من قيمة معنوية وتاريخية لا يمكن تعويضها، مؤكدا أن أبناء المنطقة الذين نشأوا فيها يسيرون اليوم على النهج ذاته ويرفضون مغادرتها. وأضاف: إن مرخية الدرب ليست مجرد منطقة سكنية، بل هي جزء من هويتنا وذاكرتنا، هنا عاش آباؤنا وأجدادنا، وكل زاوية من هذا المكان تحمل قصة وذكرى لا تنسى، ورغم بساطة الخدمات، نشعر هنا بالطمأنينة والانتماء، حيث إن الحياة في مرخية الدرب تمنحنا إحساسا بالاستقرار والراحة النفسية التي لا نجدها في المناطق الأخرى والحديثة. وأشار الأسود إلى أن المنطقة شهدت خلال السنوات الماضية اهتماما نسبيا ضمن توجهات الدولة للاهتمام بالمناطق الخارجية، إلا أن الأهالي يأملون في مزيد من التطوير وبناء الأسواق التجارية والعمل على تعبيد الطريق الرئيسي للوصول إلى المنطقة، فضلا عن استغلال المساحات القريبة لتطوير البنية التحتية بالمنطقة. وأشار الأسود إلى أنهم في منطقة مرخية الدرب يعيشون بكل هدوء واستقرار، خاصة مع التطوير الذي شهدته المنطقة من حيث بناء المسجد وتوسعة الطرق وتوصيل الإنارة، والسماح لهم بالبناء والتوسعة، الأمر الذي دفع بعض السكان إلى بناء منازلهم في المنطقة ذاتها تمسكا وحبا بها وحفاظا عليها من الاندثار. وتبقى مرخية الدرب، رغم بساطتها، شاهدا على زمن الرسائل والإبل وآبار الماء، ومثالا حيا على ارتباط الإنسان القطري بأرضه وماضيه، حيث لا تزال القيم والذكريات أقوى من كل مظاهر الحداثة.