ترك برس تناول مقال للدكتور عبد الله خليفة الشايجي، الأستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، تصاعد السلوك العدواني لحكومة نتنياهو بوصفه محاولة مدروسة لفرض واقع إقليمي جديد يقوم على التفوق العسكري وفرض الهيمنة السياسية، من خلال فتح جبهات متعددة تمتد من غزة ولبنان إلى سوريا واليمن، وصولاً إلى شرق المتوسط. يركّز الشايجي على التحالف الثلاثي بين إسرائيل واليونان وقبرص الرومية باعتباره أداة لتطويق تركيا وإضعاف دورها الجيوسياسي، وضرب مشروعها الاستراتيجي المتمثل بـ«الوطن الأزرق». كما يوضح أن هذا التصعيد لا ينفصل عن سعي نتنياهو لتصدير أزماته الداخلية وتكريس نفسه كقائد “منقذ” بعد فشل 7 أكتوبر، بدعم أميركي وغربي واضح. ويخلص إلى أن هذه السياسات لن تؤدي إلى استقرار أو سلام، بل إلى تعميق الصراع، وتعزيز تمسك تركيا بحقوقها ودورها الإقليمي، وأن محاولات تهميشها ستفشل كما فشلت مشاريع الهيمنة السابقة، لأن التوازنات الجيوسياسية لا تُكسر بالاستفزاز ولا بالتحالفات الهشة، بل بالحقائق الصلبة على الأرض. وفيما يلي نص المقال الذي نشرته صحيفة القدس العربي: يتعمد نتنياهو فتح مزيد من الجبهات ومواجهة القوى المؤثرة في المنطقة لترهيبها وتأكيد تحكم إسرائيل بأمن واستقرار المنطقة بالقوة الغاشمة والعدوان واستباحة سيادة الدول: بقصفها وبتوغلات واختراق الأمن العربي بتحالفات! من غزة إلى لبنان وقرى القنيطرة والجولان وتوسيع رقعة الاحتلال في سوريا. والاعتداءات وصولا إلى اليمن وتجاوز الخطوط الحمراء بالعدوان على قطر. وحربه وجر الولايات المتحدة معه «بعملية الأسد الناهض» على إيران في يونيو الماضي! هدف الخطة واضح السعي لتشكيل تحالفات مضادة لفرض إعادة تشكيل الشرق الأوسط بتعزيز قدرات دول على حساب تهميش دول أخرى. وهنا تبرز إسرائيل التي تفرض نفسها بكل ما تملكه من قدرات وإمكانيات وقدرات عسكرية مستوردة ومن تصنيعها المحلي بغطاء وتمويل من الولايات المتحدة خاصة وبخرق سيادة الدول والقانون الدولي وعربدتها بالاعتداء على سيادة الدول في المنطقة بلا رادع. وآخرها اختراق لحصار الدول المركزية بالاعتراف بحكومة «أرض الصومال»-الانفصالية لتطويق المنطقة من المتوسط إلى البحر الأحمر والخليج العربي. وتخرق المجال الجوي فوق الأردن وسوريا والعراق، وتطبع مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب وأرض الصومال قريبا في تفتيت وإضعاف الكيانات والنظام العربي برمته ومعه تركيا. وتوقيع أكبر صفقة غاز مع مصر. واليوم في خضم حرب الإبادة على غزة، بغطاء ودعم أمريكي ـ أوروبي يستفز نتنياهو تركيا وأردوغان ـ العضو المهم في حلف الناتو ـ بمحاولة مفضوحة لتشكيل تحالف هلامي يجمع إسرائيل مع اليونان وقبرص لمواجهة واحتواء وإخضاع وتهميش تركيا. والتعدي على حدودها البحرية والجرف القاري والمنطقة التجارية الخالصة بتحالف مع اليونان وقبرص ـ وتطويق تركيا بالتالي اقتصاديا وعسكريا. وبمناورات مشتركة، وتبادل قواعد، وتعاون استخباراتي، وربط أمن الطاقة بالأمن العسكري. لذلك يعتبر أردوغان ذلك تحالفا وحصارا وتطويقا متعدد الأبعاد. ويسعى نتنياهو بحلفه الثلاثي لسحب البساط من تحت تركيا. وليس لإضعاف قدرات الصعود التركي السياسي والأمني وحتى التصنيع العسكري فقط، ولكن لضرب وإفشال مشروع تركيا «الوطن الأزرق». عقيدة تركيا العسكرية والأمنية، الصاعدة كقوة فاعلة ومؤثرة في المنطقة من بين القوى المتنافسة مع إسرائيل وتركيا والسعودية مع دول مجلس التعاون الخليجي. وكذلك ليرسل رسائل غضب وانتقام لتجرؤ أردوغان على توجيه سيل من الانتقادات المتكررة تفضح جرائم نتنياهو وقوات الاحتلال في غزة. ودعم والوقوف مع الأشقاء الفلسطينيين. وآخرها إصرار أردوغان على مشاركة القوات التركية ضمن «قوات الاستقرار الدولية» في غزة حسب خطة ترامب. وهو ما يرفضه نتنياهو وحاشية وزرائه المتطرفين!! ولكن حسب ما يتم ترويجه مع عزوف ورفض العديد من الدول المشاركة «قوات الاستقرار الدولية» وآخرهم رفض ألمانيا المشاركة. تبرز تركيا عضو حلف الناتو المشارك الرئيسي الذي يحضر ويرغب بالمشاركة بالقوات وبرغبة ودعم من الرئيس ترامب. يشهد التاريخ أن العثمانيين كانوا أسياد المنطقة وامتد وجودهم في بلاد الشام وفلسطين والقدس خمسة قرون ـ حتى سقوط الخلافة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى ـ ودخول قوات اللنبي فلسطين وإنهاء الوجود العثماني ـ الذي مهد لوعد بلفور سيئ الذكر ـ واستيطان الصهاينة ومنح من لا يملك لمن لا يستحق. وتقسيم فلسطين والنكبة والنكسة وحروب إسرائيل المتكررة. وإدامة حروب إبادة غزة. واستفراد وتهديد كيان الاحتلال بأمن واستقرار دول وشعوب المنطقة!! رد أردوغان لن نتنازل عن حقوقنا ولن نسمح بامتهان حقوق القبارصة الأتراك. ولا شيء يلزمنا، ولن نغير سياستنا وخاصة وقاحة من أيديهم مضرجة بدماء أكثر من 70 ألف فلسطيني!! وفي استهزاء وسخرية من تصعيد نتنياهو وتحالفه الهلامي أشار الرئيس أردوغان بمثال معبر: «العلب الفارغة تحدث ضجيجا أكبر»!! لكن تبقى نقطة ضعف نتنياهو اندفاعه بغرور جنون العظمة الفوقية الصهيونية ـ لقناعته وتقديم نفسه بأنه المنقذ بعقيدته الغارقة بالتميز والفوقية بأنه السياسي الأهم بتاريخ الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي للتغطية وتطهير نفسه وأرثه من أكبر وأخطر كارثة على شعب كيان الاحتلال، المتمثل بـ«طوفان الأقصى». وسعيه لفرض رؤية ومشروع إسرائيل برغم ضآلة كيان الاحتلال وفقدانه العمق الاستراتيجي، للهيمنة على المنطقة. ويخطط بلقائه مع الرئيس ترامب قبل نهاية العام كما يسرب لإقناع ترامب بشن حرب ثانية على إيران وجولة مدمرة ثانية على حزب الله ولبنان وحتى التحريض ضد تركيا وإيران. وبالتالي تحقيق أهدافه الهلامية بإخضاع وتهميش العرب والأتراك والفرس!! وتبقى التساؤلات: ما هي مآلات هذا التصعيد والمواجهات؟ وهل ينجح التحالف بتطويق وبحصار تركيا وإخضاع المنطقة لمشروع إسرائيل الكبرى؟ والتأثير على دورها القيادي؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة؟ وهل يعزز الأمن والرخاء والسلام كما يدعي نتنياهو أو يجعل تركيا أكثر تصميما على مواجهة التحالف الثلاثي ضدها في شرق المتوسط؟ والجواب الواضح لن تتحقق أهداف نتنياهو بالسلام والاستقرار والرخاء، لأن ما يجري هو صراع على تشكيل شرق أوسط جديد. وتصعيد إسرائيل بالتحالف الثلاثي على النقيض سيعزز تصميم تركيا على المواجهة ورفض التهميش. والدفاع أكثر عن حقها برفض التعدي على منطقتها التجارية الخالصة. بما تملكه من أكبر ساحل على البحر المتوسط. وترفض تهميشها بمخطط مشروع الطاقة «شرق المتوسط « الذي انسحبت منه مصر بلعب توازناتها الدقيقة حتى لا تستعدي تركيا بعد تحسن العلاقات بينهما. ولن ينجح التحالف الثلاثي بحصار وتهميش تركيا. وهذا سيضعف التحالف الثلاثي بين إسرائيل واليونان وقبرص اليونانية. لذلك سيبقى الوضع يراوح مكانه بديمومة التوتر منخفض الوتيرة حتى انتخابات الكنسيت القادمة هذا العام، والتي يتوقع أن يخسرها نتنياهو وتحالفه، ومعه فشل مشروعهم المتطرف. ولن يرسموا مستقبل الشرق الأوسط الجديد بتهميش وحصار تركيا والدول العربية المركزية! لذلك أردوغان محق بتأكيده: «العلب الفارغة تحدث ضجيجا أكبر». برسائل واضحة للداخل والخارج للتقليل من خطورة التحالف، ولا يمكن القفز على مكانة ودور تركيا ـ بأي ترتيبات في المنطقة.