بيان وزارة الخارجية السعودية حول الأحداث الأخيرة في جنوب اليمن يُقرأ من ثلاث زوايا رئيسة؛ الأولى أن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن السعودية مهما كانت التحديات والتضحيات، والثانية أن السعودية لن تقبل إلّا بيمن موحد ومستقر ومزدهر، والثالثة أن الموقف من الأشقاء في الإمارات لا يحتمل تصعيداً أكثر مما يجب ومطلوب في هذه المرحلة، وهو وقف دعم المجلس الانتقالي، وإنهاء مشاركتهم في قوات التحالف، وعودة الجميع إلى طاولة الحوار، وحل القضية الجنوبية في إطار مسؤول وواعٍ لمتطلبات المرحلة وتطوراتها، وتوحيد الصفوف لمواجهة العدو الحقيقي وهو الحوثي.وفي المقابل جاءت بيانات الأشقاء في الإمارات وقبلها ما يسمى المجلس الانتقالي لمحاولة تغيير حقيقة ما يجري على الأرض، فلا يمكن أن تقنع اليمنيين قبل غيرهم أن الشحنات العسكرية التي وصلت ميناء المكلا في هذا التوقيت هي لدعم القوات الإماراتية هناك، فضلاً أن تقنع السعوديين من أنها لا تؤثر على أمنهم واستقرارهم، ولا يمكن لبيان المجلس الانتقالي أن يتحدث عن القانون، وهو من تجاوزه في الأساس بالخروج على الشرعية، وتهديد السلم الأهلي في حضرموت والمهرة.المجلس الانتقالي يستنسخ تجربة الحوثي بكل تفاصيلها في محاولة السيطرة وبسط النفوذ بالقوة، وعدم احترام الشرعية، وهذه المغامرة غير المحسوبة لن تصل إلى حلم التكوين السياسي الأحادي الذي يطمح له الانتقالي؛ لأن المجتمع الدولي لا يعترف إلّا بالدول والمؤسسات وليس المليشيات، ومن هذا المبدأ يجب أن يدرك المجلس الانتقالي أن الموضوع أكبر من مغامرة، وإنما تقرير مصير لوطن يستحق شعبه أفضل مما هو عليه الآن.أتفهم موقف السعودية من أحداث جنوب اليمن لاعتبارات أمنها الوطني، وحدودها المباشرة مع اليمن، ولكن دولة الإمارات الشقيقية تحاول أن تجعل مصالحها قبل ذلك، وهذا ما يجعل الموقف متأزماً، ويثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، رغم أن الفرص لا تزال قائمة لحل الأزمة وإنهاء التصعيد بالطرق السلمية من دون إراقة المزيد من دماء اليمنيين.الخط الأحمر الذي تتحدث عنه السعودية في بياناتها وخطابها الرسمي هو أبسط حقوقها في التصدي لمحاولة المساس بأمنها الوطني، ولن تتردد مطلقاً في اتخاذ ما يجب لمواجهة الخطر وتحييده؛ فدخول سفينتين محمّلتين بالسلاح لميناء المكلا دون الحصول على التصاريح الرسمية يمثّل مخالفة صريحة لمضامين قرار مجلس الأمن، وتهديداً مباشراً لأمن المملكة وأمن واستقرار اليمن، كذلك دعم الإمارات للمجلس الانتقالي لتنفيذ عمليات عسكرية على حدود المملكة الجنوبية، لا ينسجم مطلقاً مع الأسس التي قام عليها تحالف دعم الشرعية في اليمن.الأهم أن يدرك الأشقاء في الإمارات أن قرار إنهاء مشاركتهم في التحالف هو من صلاحية رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وليس قرار المجلس، وهذا القرار في ظل إعلان حالة الطوارئ، يعني باختصار أن ما بعد القرار هو الأهم في تنفيذه، وهو خروج الإمارات من التحالف من دون تداعيات أخرى.المؤكد أن الإعلام بوسائله ومنصاته سيكون جزءاً من الصراع السياسي والعسكري في اليمن، وأداة للتعبئة والاستقطاب الحاد بين مكوّناته، ولكن الأهم أن تبقى الحقائق للأشقاء اليمنيين ثابتة وواضحة ومحصّنة بالقوانين، لأن الأخبار المضللة والمزيّفة والمكشوفة ستنشط لممارسة دور التصعيد والتأزيم والتشكيك، وتبقى ثقة السعوديين بوعي إخوانهم اليمنيين وإدراكهم أكبر في هذا التوقيت الحسّاس.