د. رند عبود: التحليل الجيني يمنح فرصة للوقاية من الأمراض

يشهد الطب الحديث تحولًا جذريًا في فهم العلاقة المعقدة بين الجينات البشرية والعوامل البيئية المحيطة، إذ لم يعد المرض مرتبطًا بسبب واحد، ولم تعد الجينات مصيرًا حتميًا كما كان يُعتقد سابقًا. وفي هذا الإطار، أوضحت الدكتورة رند سلوان عبود، أخصائية طب الأسرة في مركز عمر بن الخطاب الصحي التابع لمؤسسة الرعاية الصحية الأولية، أن التوجّه العلمي يتجه اليوم نحو مفهوم “الخريطة الجينية” أو “التحليل الجيني التنبّؤي”، الذي يهدف إلى تقدير احتمالات الإصابة بأمراض مستقبلية من خلال دراسة التفاعل بين الجينات، ونمط الحياة، والعوامل البيئية المختلفة. مؤكدة أن هذه المعرفة لا تدعو للخوف، بل تمثل فرصة ثمينة للوقاية المبكرة وتحسين جودة الحياة. وتبيّن الدكتورة رند أن الخريطة الجينية تُعد تحليلًا شاملًا لمواقع الجينات والمتغيرات الوراثية في جسم الإنسان، إلا أن الطب الحديث لم يعد يركّز على جين واحد يسبب مرضًا محددًا، وإنما على مجموعات واسعة من المتغيرات الصغيرة التي تتفاعل مع بعضها لتزيد أو تقلّل احتمالات الإصابة بأمراض شائعة مثل السكري، وأمراض القلب، والسمنة، والسرطان، وأمراض المناعة، والزهايمر. وفي المقابل، تلفت إلى أن البيئة تُعد اللاعب الأكبر في تحديد صحة الإنسان، حيث تُظهر الأبحاث أن نمط الحياة والعوامل البيئية اليومية — كنوعية الغذاء، ومستوى النشاط البدني، وجودة النوم، والتوتر النفسي، والتعرض للمواد الكيميائية والتلوث، والوضع الاجتماعي — لها تأثير بالغ على نشاط الجينات من خلال ما يُعرف بعلم “التخلّق”، وهو العلم الذي يوضح كيف يمكن للبيئة أن تُفعّل أو تُعطّل القابلية الوراثية للإصابة بالأمراض دون تغيير في التركيب الجيني نفسه. وتؤكد الدكتورة رند أن التحاليل الجينية يمكن أن تكشف عن ارتفاع احتمالات الإصابة ببعض الأمراض مثل أمراض القلب، وسرطان الثدي، والسكري، والسمنة، وأمراض المناعة الذاتية، لكنها تشير في الوقت نفسه إلى مجموعة من الحقائق العلمية المهمة؛ من بينها أن دقة هذه التحاليل تختلف بين الشعوب نظرًا لاعتماد معظم الدراسات على عينات أوروبية، وأن الوراثة ليست مصيرًا نهائيًا، إذ يمكن تقليل المخاطر بشكل ملحوظ عبر نمط حياة صحي، فضلًا عن أن العوامل البيئية تمتلك تأثيرًا أقوى في كثير من الأحيان، وأن التحليل الجيني لا يغني عن الفحوصات الدورية بل يُعد أداة مساعدة وليست وسيلة تشخيصية قائمة بذاتها.