حذر سياسيون وحقوقيون وممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني من خطورة قرار الاحتلال الإسرائيلي تعليق عمل نحو 37 مؤسسة إغاثة دولية تعمل في قطاع غزة. ووصفوا الخطوة بأنها ستزيد عمق الأزمة والمأساة الإنسانية في القطاع، الذي عاش عامين من حرب الإبادة الجماعية. وقال متحدثون لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ إن قرار الاحتلال باستهداف ومنع عمل تلك المؤسسات الدولية، يعتبر نسفا لجزء أساسي ومهم وكبير من العمل الإنساني في غزة، وتهديدا يمس الحياة اليومية لنحو مليوني فلسطيني في القطاع في ظل استمرار آثار وتبعات حرب الإبادة، وعدم تعافي القطاع منها مع تعنت الاحتلال وعدم استجابته للحاجات الإنسانية في القطاع. وطالب المتحدثون الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، والجهات المانحة بالتدخل العاجل لوقف جميع القيود الإسرائيلية المفروضة على عمل المنظمات الدولية والأهلية، والسماح بإدخال جميع المساعدات الإنسانية، وتوفير التمويل اللازم لعمل /الأونروا/، وباقي المنظمات الدولية والمجتمع المدني، بما يضمن استمرارية عملها وتعزيز الاستجابة الإنسانية، وضمان استقلالية وحياد العمل الإنساني. وفي هذا الصدد قال أمجد الشوا، رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، إن القرار سيعمل على زيادة مأساوية المشهد الإنساني والخدماتي بشكل أكثر تدهورا وحدة وكارثية، وسيعمل على تعميق الخطر المحدق بسكان القطاع. وأكد الشوا أن الحالة التي يعيشها سكان القطاع عقب عامين من الحرب تفرض تكثيف عمل تلك المؤسسات وزيادة برامجها الإغاثية والإنسانية، لكن القرار سيعمق الأزمة ويعطل جزءا مهما مما كانت تقدمه المؤسسات التي يشملها القرار المرفوض. ووصف القرار بالخطير في مضمونه من حيث إنهاء عمل تلك المؤسسات، وتوقيته في ظل الوضع الصعب جدًا الذي يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة مع استمرار آثار الإبادة الجماعية، والشلل الذي تعيشه كل مكونات الحياة الإنسانية والخدماتية. وحذر الشوا من أن القرار لن يعطل عمل العشرات من المؤسسات فقط، بل سيمتد ليلحق الضرر بآلاف الموظفين المحليين والدوليين العاملين ضمن طواقمها، وبناء عليه فإن الاحتلال سيمنع لاحقا دخول الموظفين الدوليين من أطباء وموظفين وإداريين وطواقم إلى قطاع غزة من خارجه. وشدد رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية على أنه مع منع تلك المؤسسات من العمل فلا بديل لها يسد الفراغ في عشرات القطاعات والمؤسسات الخدماتية والصحية، وخدمات مكافحة الفقر والبطالة وسوء التغذية التي تقوم بإدارتها والإشراف عليها وتمويلها، في ظل منع الاحتلال لعمل الأونروا وتقييد نشاطها وفقا لقرار سابق. بدوره اعتبر الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية أن القرار الإسرائيلي يمثل خرقًا جديدًا للأعراف والقوانين الدولية. وقال البرغوثي إن منع الاحتلال لـ37 منظمة إنسانية دولية من العمل في غزة والضفة الغربية المحتلة، والحصار على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين /أونروا/، يمثل جزءًا من الهجوم الإسرائيلي الفاشي المتكامل الذي يشنه الاحتلال لتدمير مقومات حياة الشعب الفلسطيني، مشددا على أن قوات الاحتلال لم تكن لتصل هذه الدرجة من الوقاحة لولا تقاعس الحكومات الغربية عن الدفاع ليس فقط عن القانون الدولي، ومؤسسات الأمم المتحدة، بل وعن مؤسسات بلدانها نفسها. من جهته، قال الدكتور صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني إن القرار ضد المنظمات الدولية خطوة ضمن سياسة احتلالية ممنهجة تستهدف تفكيك منظومة العمل الإنساني الدولي برمّتها، والعمل على إخضاعها لمنطق السيطرة والابتزاز السياسي من قبل إسرائيل، بما يقوض استقلاليتها ويعطل دورها الحيوي في حماية المدنيين وتلبية الاحتياجات الإنسانية. وأكد عبدالعاطي أن الخطوة تجاه المؤسسات الدولية بإلغاء تراخيص عمل عدد منها، يشكل سياسة ممنهجة تهدف إلى التحكم في الأوضاع الإنسانية، وتقويض منظومة العمل الإنساني المستقل بأكملها، مشددا على أنها تمثل جريمة دولية بحق المنظمات الدولية والقيم الإنسانية. وأوضح أن خطوات وإجراءات الاحتلال تشمل فرض إعادة تسجيل تلك المؤسسات لدى سلطات الاحتلال، وإلزامها بالإفصاح عن بيانات شخصية وحساسة للموظفين والعاملين فيها، وفرض شروط سياسية وأمنية وإدارية تحد من قدرتها على العمل وتأثيرها، إضافة إلى عرقلة الرصد الحقوقي لانتهاكات الاحتلال وأنشطة المناصرة. وقال إن نظام الاحتلال الإسرائيلي الجديد لتسجيل المنظمات الدولية غير الحكومية، المعتمد منذ مارس الماضي، يُستخدم كأداة سياسية وأمنية للسيطرة على العمل الإنساني، عبر فرض تقديم معلومات حساسة عن الموظفين والجهات المانحة. ويتزامن القرار الإسرائيلي بمنع عمل وتقويض المؤسسات الدولية ومنها الأونروا في قطاع غزة، مع مأساة إنسانية يعيشها سكان القطاع الذين يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات في العديد من الخدمات الأساسية وخاصة قطاعات الخدمات الإغاثية والصحية والطوارئ التي تقدمها تلك المؤسسات، عقب عامين من حرب الإبادة الجماعية شنها الكيان الإسرائيلي على القطاع، وعملت على خلق واقع انساني ومعيشي متدهور وانتشار البطالة والفقر والجوع بين الفلسطينيين. وكان الكيان الإسرائيلي أعلن عن تعليق عمل أكثر من 37 منظمة إنسانية عاملة في قطاع غزة بحجة عدم استيفاء المنظمات القواعد والقوانين. وتشمل هذه المؤسسات عددا من منظمات الإغاثة الدولية الشهيرة العاملة في قطاع غزة، منها أوكسفام، أنيرا، كير الدولية، والمجلس النرويجي للاجئين، والمنظمة الدولية الأكثر انتشار في العالم /أطباء بلا حدود/، والتي قالت في بيان لها إنها قدمت الرعاية لنحو نصف مليون شخص خلال الحرب التي استمرت عامين على قطاع غزة، وحذرت من أن إلغاء تسجيلها من قبل الاحتلال الإسرائيلي سيؤدي إلى حجب مساعدات طبية منقذة للحياة عن مئات الآلاف.