ثمة أسئلة ثلاثة أطالت السُهد قبيل كتابتي حروف هذه المقالة؛ هل (السلام الداخلي) يأتي بعد تجارب أم يولد معنا بالفطرة؟، وهل مقره القلب أم العقل، أم كلاهما؟، وهل يُكتسب أم أنه قرار نفرضه على أنفسنا؟ولكن الاستفهام الأعمق؛ حين تساءلت عقب صلاة مغرب أحد أيام الأسبوع الماضي؛ لماذا نختم صلاتنا بـ«السلام عليكم»، ثم نعقبها عقب الصلاة بدعاء «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام»؟ولما توقفت عند ذلك الاستفهام؛ اكتشفت أن (السلام) في خاتمة صلواتنا والدعاء عقبها هو طلب سلامة الدنيا والآخرة من الله تعالى بصفاته الكاملة، اعترافاً خالصاً منا له سبحانه بأنه مصدر (السلام) المنزه عن النقص، فنتوسل إليه بهذا الاسم الكريم من أسمائه بأن يُسلِّم صلاتنا، لتكون لنا مكفِّرة للسيئات ورافعة للدرجات. ولأن (السلام) يجلب المحبة وينشر المودة بين الناس؛ جاءت النصوص النبوية بنشره وإظهاره والإكثار منه، حين قال عليه الصلاة والسلام: «أولا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتهم؟، أفشوا السلام بينكم»، وعند البخاري في (الأدب المفرد) من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن السلام اسم من أسماء الله تعالى، وضعه الله في الأرض، فأفشوا السلام بينكم». أما عند التمعن في حديث «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء»؛ فتيقنت أن أول أمور نعرِّج بها لولوج (السلام النفسي) هي: حسن ثقتنا بالله من جوارحنا، الابتعاد عما يكدِّر أمزجتنا وصفونا، انتقاء جليسنا ومجالسنا، وتجنب المتذمرين ذوي الطاقة السلبية. ما سبق؛ جئت به لثلاثة أهداف: ترسيخ (السلام) في كل لحظات حياتنا، والتأكيد على أن الإسلام يشبع حاجاتنا إلى (السلام الداخلي)، ولتوضيح أن ديننا سبق الأمم الأخرى ومفكريها وفلاسفتها في الدعوة إلى (السلام).خواطر وردت في نفسي بالمصادفة ونحن نستقبل (اليوم) عاماً ميلاديّاً جديداً.. لذلك؛ أقول مستعيناً بالله سبحانه: في عالم الحروب؛ يأتي (السلام) بعد الصراع، ويكون السكون بعد العواصف، وتبدأ مرحلة الاستشفاء بعد الوجع وإن طال.. الماضي انتهى، فشتان بين من يظلّ أسير ألم مضى وبين من يبتسم حين يتذكر السلام.إذن؛ فلنبدأ أعوامنا الهجرية والميلادية وأعيادنا ومناسباتنا السعيدة بالابتسامة، والحب، والسلام، والدعاء، والسجود، ومساعدة المحتاجين.. وكلها تحرر دواخلنا من الشوائب، وتثبت السلام الداخلي في أعماقنا.وفي خاتمة مقالتي؛ اسمحوا لي نقل أقوال بعض الفلاسفة الذين سبقهم الإسلام في أهمية (السلام):أولاً: (الأم تيريزا): يبدأ السلام بابتسامة.ثانياً: انديرا غاندي (رئيسة وزراء الهند): لا يمكنك مصافحة قلبي بقبضة يدك المغلقة.ثالثاً: (ماها غوساناند): عندما تصنع السلام مع نفسك، تصنع السلام مع العالم.رابعاً: (ليندون جونسون): السلام رحلة ألف ميل، ويجب أن نخطوها خطوة بخطوة.خامساً: (ديزموند توتو): افعل القليل من الخير أينما كنت؛ فهذه القطع الصغيرة من الخير مجتمعة هي التي تجتاح العالم وتصنع سلام البشر الداخلي.السلام.. مرحلة استشفاء من الصراع الداخلي:الفلاسفة والسلامتكلموا كثيراً ولكن الإسلام سبقهم إلى «السلام»ترسيخ السلامحاجة داخلية في كل لحظاتنا لإشباع اطمئنانناولوج السلامبالثقة بالجوارح وتجنب ذوي الطاقة السلبيةأنت السلامخاتمة للصلاة طلباً لسلامة الدنيا والآخرة